تأبط
شراً هو ثابت بن جابر الفهمي(توفي نحو 530 م), أحد شعراء الجاهلية الصعاليك
الذين عاشوا في البادية منعزلين عن قبائلهم، يقال انه عاش في بلاد غامد و
زهران ،من
أمثال: الشنفرى و السليك بن السلكة وعروة ابن الورد العبسي.
مما
روته
كتب التاريخ عنه، انه خارق القوة، فان اتكأ على بعير اسقطه، أو استوى على
ظهر فرس
اجهضها، وهو أسرع من الجياد الجامحة، ويسبق الظبي في عدوه، وان رمى رمحه،
فانه كريح
الشتاء، ورغم أن له الكثير من الحكايات الخرافية مع الجان والغيلان، إلا أن
الذين
وصفوه، يرون انه هو الغول بعينه، فضفيرتاه تشبهان قرني الشيطان، وله عينان
حمراواتان، تنبعث منهما أشعة كريهة تنذر الناظر إليهما بالموت، وفمه كفوهة
بئر، أما
انفه فانه يشبه رأس البعير.. مع هذه الأوصاف وغيرها من إمارات القبح، فان
(تأبط
شرا) يعد واحدا ممن يعشقنه النساء، كما تجلى ذلك واضحا في أشعاره.
نادته
أمه يوما، وقالت له: «ايها الولد العاق، ها أنت ترى ما نحن فيه من شظف
العيش، وانت
لا هم لك إلا أن تسابق الغزلان، لم لا تنطق أيها الخبيث؟!»، فيجيبها:
«وماذا تريدين
أن افعل، بعد أن جئت لك بكبش سمين، فإذا به ينقلب بين يديك إلى ذئب مفترس؟!
وسرقت
لك ما يزن حمل بعير من التمر، فانقلب التمر حين رأى وجهك إلى أفاع سامة!!
فماذا
افعل لك بعد ذلك يا امرأة؟!»، لكنها لا تعبأ بما قال وتصرخ فيه: «اسمع أيها
الجلف..
إن في فلاة رحى بطان من ارض هذيل، إبل ترعى، فلو تربصت ببعضها ليلا»..
فيصيح فيها
مقاطعا: «أنت إذا تريدين لابنك أن يسرق أموال الناس؟!»، فتجيبه ساخرة:
«ثكلتك
أمك، وهل لك صنعة أخرى غير السرقة التي ورثتها عن أبيك؟!»، فيجيبها:
«واللات ما
أسموك أم الأشرار عبثا!! وبئس الأم أنت يا من تحرضين ولدك على فعل الشر!!»،
فتقول
له: «لا تجادلني، وأنت لا عمل لك سوى مجالسة السراق كأبي خراش و الشنفرى..
هيا اذهب
يا تأبط إلى رحى بطان، وعد لأمك بلبن النياق».
عندما
شارف تأبط شرا
على منطقة رحى بطان، وضع اذنه على الأرض، كي يسمع وقع اقدام النوق، ولكنه
سمع ما لم
يكن يتوقع، فصار من شدة هول الدهشة، يحدث نفسه: «ما هذا؟! ما هذه الأقدام
الثقيلة
الوقع، كأنها جبل يسير، وصوت أقدامه يأتيني عبر الرمال، مع ما يفصل بيننا
بمسافة
تبلغ عشرات الفراسخ؟! إي مخلوق هذا الذي يسير بهذه القوة؟».
وفجأة يظهر له
من بين العجاج كائن بشع المنظر، ضخم الجثة، فيصيبه الارتباك، وإذا بذلك
الكائن يصدر
صوتا أنثويا رقيقا: «اقترب مني يا حبيبي..!! اقترب..!! فبعد قليل ستصبح
زوجي». فيرد
عليها تأبط بعد أن تمكن من السيطرة على أعصابه: «واللات إن ما سمعته عن خبث
الغيلان
لهو حقيقة واقعة.. انك تخدعين الرجال بهذا الصوت الوديع»! وإذا بالكائن
البشع يتحدث
إليه بصوت غليظ كأنه الرعد: «ما دمت قد عرفت حقيقتي، فماذا جاء بك إلى هنا
يا تأبط؟
وكيف سولت لك نفسك أن تعتدي على ارضي؟»، فلم يجد تأبط شرا عذرا سوى القول
انه مر
فوق هذه الأراضي عن طريق المصادفة، فتصدر عن الكائن البشع ضحكة جلجلت
أصداؤها في
الفضاء، ثم يعقبها قوله: «كذبت..!! بل قل إن أمك هي التي طلبت إليك أن تأتي
إلى هنا
لتسرق ابل قيس عيلان، ولكنها دفعت ثمن تحريضها إياك على السرقة، ثم استخرجت
جثة أمه
من وعاء، وألقت بها أمامه، ها هي أم الأشرار جثة هامدة أمامك..!! فيصرخ
تأبط باكيا» : ويحك قتلت أمي أيتها الغولة، فتهجم عليه قائلة: وسأمزقك
بأنيابي يا تأبط، فيشتبك
معها بعد أن تقمصه قوته الخارقة التي كثيرا ما يستدعيها عندما يتعرض لمعارك
مع الجن
والغيلان، وبينما كانت الغولة تصدر ضحكاتها، عاجلها تأبط بكسر أنيابها،
فقالت له
وهي في قمة حنقها وغضبها: «ستكون هذه آخر ليلة من ليالي حياتك، سأمزقك إربا
إربا
أيها التأبط اللعين»، فيجيبها وهو يكمل تكسير أنيابها: «بل إن الذي سأسلخ
جلدك
النتن واصنع منه اكبر خيمة في بلاد العرب، لأذل بك قبيلة الغيلان أيتها
الخبيثة!!
فأجهز عليها، ثم حملها إلى قبيلته منشدا هذه الأبيات:
ألا من مبلغ فتيان فهم
بما لقيت عند رحى بطان بأني قد لقيت الغول تهوى بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا
دهش فخرّت صريعا لليدين وللجران فلم انفك متكئا عليها لأنظر مصبحا ماذا
أتاني إذا
عينان في رأس قبيح كرأس الهر مشقوق اللسان
عاشقة
تأبط شرا
وصفها
بأنها جميلة كالوردة في خدرها، لولا أن بها شوك، فيروي قصته معها، يوم خرج
مع
صاحبه الشنفرى الذي كان مثله عداء لا يشق له غبار، فتسللا معا في جوف
الليل، حتى
ظهرت لهما نيران لأناس يسمرون قرب قافلة لهم، فقال الشنفرى: «علينا أن نسرق
ما في
هذه القافلة»، فيسأل تأبط عن السبيل إلى ذلك، ورجال القافلة كثيرون؟! فيرسم
له
الشنفرى الخطة، وهي كالتالي: «تقترب أنت منهم، فيطمعون فيك، فإذا طاردوك،
فطاولهم..فإذا عدوا خلفك، استأثر لهم، فان أخذوك إلى حيث القافلة ثم اوثقوك،
بدوت لهم أنا من
بعيد، اعدوا أمامهم، حتى يجدوا في طلبي، فأباعد بينهم وبين القافلة، فتحل
أنت
وثاقك، وتسوق القافلة إلى مخبأنا».. وفعل تأبط ما تم الاتفاق عليه، فإذا
بدا لهم
الشنفرى، سألوا تأبط: أهذا صاحبك؟! فأجابهم: احذروه، فانه أسرع من يعدو في
العرب،
وما أحسبكم تلحقون به!! فأجابه احدهم: لن يعجزنا أن نأتي به لنضمه إليك!!
وبدؤوا
يطاردون الشنفرى وهم على ظهور حيادهم، بينما هو يعدو عدوا، قد ابعد بهم
مسافات
طويلة عن قافلتهم. وفي هذه الأثناء فك تأبط شرا وثاقه، وساق القافلة إلى
حيث
مخبأهما، وما أن ادخل الأبعر إلى الكهف، حتى سمع صوتا نسائيا، فاستطلع
الأمر، وإذا
به إمام شابة رائعة الجمال، لينة الأعطاف، يكاد بياض وجهها ينير ظلمة
الكهف، ترجوه
أن يتركها إلى حال سبيلها بعد أن ظفر بغنيمته، فيقول لها: «أومن يظفر بمثلك
يفعل ما
تطلبين؟! واللات ما أفرط فيك أبدا!»، فتضحك بمرح ودلال قائلة: «ما أحسبك
إلا اضعف
الخلق!»، فيجيبها محتدا: «ليس لمثلي يقال هذا الكلام»، فتمد نحوه يدها،
وترفعه من
صدره إلى أعلى ثم تلقي به إلى الأرض!! فحاول القيام وهو يتوعدها: «واللات
ما ابقي
عليك حية، وان كنت أجمل الجميلات؟!»، فترفعه من صدره ثانية ثم تلقي به إلى
الأرض،
ووضعت رجلها فوق جسمه، وتوجهت إليه بالحديث وهي ضاحكة، ومزهوة بنصرها عليه:
«والآن
ما تقول أيها الخبيث وأنت تحت قدمي لا تملك حراكا؟!»، فيجيبها: «ويحك من
أين لك هذه
القوة؟!»، فتنشرح أساريرها لسؤاله: «حسن، ما دمت قد أقررت بأن هناك من هو
اقوي منك،
فاني أعفو عنك!!»، ويسألها تأبط: «كيف تركتني أسوق قافلة قومك، ولم تمنعيني
من
ذلك؟!»، تجيبه: «سمعت عن شجاعتك، وأعجبت بك، فتركتك تفعل ما تفعل لأظفر
بك..
فيجيبها
بخذلان وأسى: «ظننت أنني أنا الذي ظفر بك، هيا.. اقتليني!! فلا احتمل ذلا
بعد هذا الذل، امرأة تصرع تأبط شرا؟! اقتليني ويحك، ماذا تنتظرين؟». فتقول
له: هناك ما هو خير من قتلك، وهو أن تتزوجني، فو الله قد أحببتك من كثرة ما
سمعت عنك،
تزوجني.. فلا يكون احد في ارض العرب، في شدة قوة أولادنا!!
فتزوجها
بعد
أن شغف بها حبا، ورغم قبحه، صار الناس يضربون الأمثال بجمال (براق) ولده
الأول
منها.
وقُتل تأبط شرا في بلاد هذيل، وألقيت جثته في غار يقال له ( رخمان )
رأي (محمد عودة) بهذا الشاعر :
لقد أحببت هذا الشاعر لأن
على رغم قبحه إلا أنه كان أجمل الشعراء و لأنه حول قبحه إلى جمال داخلي مما
أحبب النساء به
و قوته البدنية حيث كان من أقوى الشعراء و كان يسابق الجياد
أما شعره فكان قويا و متزنا و هذا بعض مما أبدع :
يا عِيدُ مالَـكَ مـن شَـوْقٍ وإِيراقِ ومَرَّ طَيْفٍ علَى الأَهوالِ
طَـرَّاقِ
يَسْرِي علَى الأَيْنِ والحيَّاتِ مُحْتَفِـياً نفسي فِداؤُكَ مِن سارٍ
علَى سـاقِ
إنى إِذا خُلَّةُ ضَـنَّـتْ بِـنَـائِلِـهـا وأَمْسكَتْ بضعيفِ الوصلِ
أَحـذَاقِ
نَجوْتُ منها نَجائي مِـن بَـجِـيلةَ إِذْ أَلْقَيْتُ ليلةَ خَبْتِ
الرَّهِـط أَرواقـى
ليلةَ صاحُوا وأَغْرَوْا بِي سِرَاعَـهُـمُ بِالعَيْكَتَيْنِ لَدَى مَعْدَى
ابـنِ بَـرَّاقِ
كأَنَّما حَثْحَثُوا حُصًّا قَـوضـادِمُـهُ أَو أُمَّ خِشْفٍ بِذى شَـثٍّ
وطُـبَّـاقِ
لا شيءَ أَسْرَعُ مِنَّي ليس إذا عُـذَرٍ وذا جَناحٍ ِبجنْـبِ الـرَّيْدِ
خَـفَّـاقِ
حتى نَجَوتُ ولمَّا ينْزِعُوا سَـلَـبـي بِوَالِهِ مِن قَبِيض الـشَّـدِّ
غّـيْدَاقِ
ولا أَقولُ إِذا ما خُـلَّةٌ صَـرَمَـتْ يا وَيحَ نفسيَ مِن شوقٍ
وإِشْـفـاقِ
لكنَّما عَوَلِـي إِنْ كـنْـتُ ذا عَـوَلٍ علَى بَصيرٍ بِكَسبِ الحمدِ
سَـبَّـاقِ
سَبَّاقِ غاياتِ مَجدٍ في عَـشِـيرَتـه مُرَجِّعِ الصَّوتِ هَدَّا بـينَ
أَرْفَـاقِ
عارِى الظَّنَابِيبِ، مُمْتـدٍّ نَـوَاشِـرُهُ مِدْلاجِ أَدْهَمَ وَاهِي
الماءِ غَـسَّـاقِ
حَمَّـالِ أَلـويةٍ، شَـهَّـاِد أَنــدِيةٍ قَوَّالِ مُحْـكَـمَةٍ،
جَـوَّابِ آفـاقِ
فَذَاكَ هَمِّي وغَزْوى أَسْتَغِـيثُ بـه إذا استَغَثْتَ بِضَافِي
الرَّأْسِ نَغَّـاقِ
كالحِقْفِ حَدَّأَهُ النَّامُونَ قـلـتُ لـه: ذُو ثَلَّـتَـيْنِ وذُو
بَـهْـمٍ وأَربـاقِ
وقُلَّةٍ كَسِـنَـانِ الـرُّمْـحِ بـارزَةٍ ضَحْيَانَةٍ في شُهورِ الصَّيفِ
مِحرَاقِ
بادَرتُ قُنَّتَها صَحبي وما كَسِـلُـوا حتَّى نَميْتُ إِليهـا بَـعـدَ
إِشْـراقِ
لا شيءَ في رَيْدِها إِلاَّ نَعَامَـتُـهَـا منهَا هَزيمٌ ومـنـهـا قـائمٌ
بـاقِ
بِشَرْثَةٍ خَلَقٍ يُوقَى البَـنَـانُ بـهـا شددتُ فيها سَرِيحاً بعـدَ
إِطْـرَاقِ
بَلْ مـن لِـعَـذَّالةٍ خَـذَّالةٍ أَشِـبٍ حَرَّقَ باللَّوم جِلـدي أَيَّ
تَـحْـرَاقِ
يقولُ أَهلكْتَ مالاً لَّو قَنِـعْـتَ بـه مِن ثَوبِ صِدْقٍ ومن بَزٍّ
وأَعـلاقِ
عاذِلَتي إِنَّ بعضَ اللَّومِ مَـعْـنَـفَةٌ وهَلْ متـاعٌ وإِنْ
أَبـقـيْتُـهُ بـاقِ
إِني زَعِيمٌ لئن لم تتركُـوا عَـذَلـي أَنْ يَسْئَلَ الحيُّ عنِّي أَهـلَ
آفـاقِ
أَن يَسْئَلَ القومُ عني أَهلَ مَـعْـرِفَةٍ فلا يُخبِّرُهُـمْ عـن ثـابـتٍ
لاَقِ
سَدِّدْ خِلاَلَكَ من مالٍ تُـجَـمِّـعُـهُ حتَّى تُلاَقِي الذي كلُّ
امـرىءٍ لاقِ
لَتَقْرَعَنَّ علـيَّ الـسِّـنَّ مـن نَـدَمٍ إِذا تذكرتَ يوماً بعضَ
أَخـلاقـي
المراجع :
استعرت كتاب حياة الشعراء الجاهلين – تأبط شراً من المركز الثقافي العربي
في هنانو و كتبت تلخيصا عنه
إضافة إلى بعض مواقع الانترنت
|